حينما يخونكَ الوقتُ فيبدأُ أثناءَ انشغالكَ .. ويستمرُّ في ممارسة ذاته دونَ أدنى اهتمامٍ لشأنك، تتساقط صور السهر والانتظار والحضور والسياسة أيضاً .....
"بديت القصّة تحت الشتي" كأيِّ شيء تتقاذفه آفاقك اشتراكية الفضاء..
فضاءٌ لكرمك..
فضاءٌ لصوتك..
فضاءٌ لعطرِ امرأةٍ تنسلُ لا ملامحها من استهتارك..
وفضاءٌ لأرضٍ لم تعلّق قلادة وطنيّتك بعد !
فتاةٌ يقتحمُ عليها تشابهَ الغيابِ طيفٌ ياسمينيُّ التطفّل:
- أنتِ هنا؟
- أنتَ هنا!
والحضور معادلةُ الرياح وحدها.. الأوراق لا تعج بهوامشِ العُتمة، ولا تغرقكَ في وحي التجلي.. كن غيرك كي تفهمَ ما تشاء، فأناكَ مستعصيةٌ على الثرثرةِ الآن.. كن غائباً "كضميرِ الغياب" يُزحزحكَ ليتربّعَ مكانكَ حتى في التسمية.. كن ثالثا لا أوّل لكَ تؤجَّجُ الحياة حيثُ لا أنتَ ولا ثانيكَ المنفصل عنك كمؤونة صيفٍ باهتة الموت والقوت...
"تحت الشتي" تكثرُ الممارسات من الصلاةِ إلى الدعارة، يحترقُ قلبٌ ورقيُّ الهواجس، يكبرُ طفلٌ فوضويُّ المصادفات، تنكسرُ أمنيةٌ سرابيّة الدّرب، تنهضُ خطيئةٌ ورديّةُ العبق، بكلّ مسامات وحدتكَ.. وحدتها، ينطفئُ العمرُ تحتَ ظلالِ شجرةِ لوز، يُحاذيكَ مذاق قهوتكَ عابرَ التورّطِ والتمدّدِ والزبد [ فللقهوةِ زبدٌ بلفائِفَ تبغيّة الصيحات والانتظار معاً]، يضيّعكَ من تجدهُ، وتضيعُ أنتَ في أيِّ وجودٍلا تتقاطعُ روحكَ و وشوشاته...
"وخلصت القصة بتاني شتي..." كما تنتهي أبجديّة الشرفات، بكلِّ هبوطِ رهبتها إلى حضيضٍ من قلبٍ من سعالٍ أصفر، يومئُ ويلهثُ إلى لحدِ غيرهِ.. تتبدّلُ طرقاتُ اللازورد ولا تزالُ بقعةُ حياةٍ هلاميّةِ الجسد تطفو في الذاكرة.. يتوقّف العدّ " تاني شتي" فقط لا أكثر بقطرة ندى واحدة، "تاني شتي" لا غير كمعشوقتك الأولى لا تشبه أحدا ولا حتّى هي... "تاني شتي" موعدٌ بلا أيِّ إعجازٍ أو إغواءٍ – كانتحارٍ ناقصٍ تمام الرابعة صباحا – دوائِرَ من طرازٍ رصيفيِّ الدّمعِ والأنين، مريحٌ حتّى من أيدي عابرة تمسّده بشفقةٍ مجعّدة.. سيناريوهات فاضحة لإيحاءِ شبهكَ [ وأنتَ تشبه سواكَ ولا تشبهك ] مقيمةٌ في غيابكَ كأيِّ أنثى لم تتعثّر بها خطاك وهي ترقبكَ.. تتنفّس وجودكَ اللاتدركه أنت فأنتَ تشمئزُّ منكَ وتتنفّس غيرك ... غيركَ جدا.. هذا المبتعد عنكَ قدرَ حلمكَ بكينونةٍ لا تبيدها وجوديّةُ نافذةٍ لا تسحرُ أحداً... ولا تسرّب للشمسِ بصيص بُغضنا على العتمة كي تتحدّى ما يمكنها لئلاّ تلتصقَ بنوافذَ لا تأتي بتفاصيلِ العبور... والعبورُ حكايةُ القصص الكثيرة [ والكبيرة أيضاً ] التي تنتهي بكلمةٍ صغيرةٍ لا يشفُّ عنها الحكي ولا تشفُّ هي عن بعضِ معناه!
هكذا إذن يخطئُ شبحُ الوقتِ بعضهُ، يرادفُ مجهوله حين يتربّع على ظلٍّ لا ظلَّ له ولا يقظة.. يقتلهُ عريُ انتحابِ تنفّسنا حينَ يتكوَّمُ سِلالاً من خطايا وأرواحَ عالقة لا تجازفُ بالحياةِ ولا تتجرّأُ على الموت: الموتُ هذا الشهيُّ الذي لا يستكينُ لشهوةِ الكستناء..يعودُ بكلِّ رحيلكَ إلى إيقاعٍ طفيفِ الجدل، لا أنتَ تعي كيفَ يطردكَ الحالمون من عنفوان الحياة؛ ولا هم يتقاسمون ما تبقّى من ركام القصائد مع نسيانكَ هشِّ الرؤى... تضيّعُ اتجاهكَ فلا يطول الطريق، يطولُ الطريقُ فلا تتعثَّرُ باتجاهٍ يؤويكَ وأغنيتكَ.. بل أغانيك: أغنيةٌ لطولِ الطريق.. أغنيةٌ لانتظار المدى.. أغنيةٌ لزيتون الخريف.. وأغنيةٌ لمن يخطئكَ دائما فلا تُزهرُ في قلبه كبياضِ الغريب ...
" حبّوا بعضن.. تركوا بعضن.." .... كأيِّ ملكينِ لا يركنانِ إلى تعبٍ طارئٍ في المسافةِ بين سمائينِ من منفى..
"حبّوا بعضن.." تحت الشتي......
"تركوا بعضن" تحت الشتي على ما أظنّ...
فغوايةُ البدايةِ تشابهُ في لهاثها غوايةَ النهاية، تكوينٌ أزرق كإصغائكَ لصوتٍ قديمٍ يرميكَ بوردِ العناق، وتتركه في ملجأٍ لركامِ انتحابكَ.. يشرقُ آخركَ عليكَ حينَ تغيبُ تماماً عن غيابكَ، وتشرقُ أنتَ عليهِ حينَ يَغيبُ هو في غيابكَ، وغيابيكَ ثورةٌ واحدةٌ في بريدِ الجفاف.. تئنُّ عليكَ خطاكَ وتتفتتّت روحكَ حينَ يسفككَ رحيقُ النشيدِ المكلّل بلا تذكّرك.. وبتذكّرك لكلِّ تراتيلِ بقاعكَ حيثُ "بديت القصّة تحت الشتي ... وخلصت القصة بتاني شتي ...."
(والشتي) هو ذاته (الشتي) تنتهي القصص وتنتهي أرواحنا ويبقى هو .. تصطفق رؤانا بضجرٍ غامض الإيقاع، وتسقط أضدادنا غنائية الترادف والتشابه والنبيذ.. وتفرد هاويته ضيقها على قصائدنا مريميّة التعتيق.. وحيدون في عُرينا.. وحيدٌ في زهده بنا.. رطبٌ بكلِّ وجعِ حاضرنا عبثيِّ المرورِ والرّحيل... طفيفونَ في غبشِ الصّعود.. وصدانا نرجس.. وصداهُ صديد....
وخلصت القصّة ..
بتاني شتي ...
تــــــــركــــــــــوا بعضن.