أهون ما بذلوا في عظيم ما نالوا
قال صلى الله عليه و سلم : ( لو أن امرأة من نساء الجنة أطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما , و لملئت ما بينهم ريحا , و لنصيف على رأسها خيرا من الدنيا و ما فيها ) الله أكبر .. إذا كان النصيف خير من الدنيا و ما فيها .. فما بلك بربة النصيف ؟!! و صاحبة الخباء .. أخرج مسلم عن أبي هريرة قال : ( إن في الجنة حورا يقال لها العيناء إذا مشت مشا حولها سبعون ألف وصيف عن يمينها و عن يسارها كذلك تنادي و تقول : أين الآمرون بالمعروف و الناهون عن المنكر ؟ ) فابشروا يا رجال الحسبة .. و أبشر يا من تغار على هذا الدين .. و هذه همسة أهمسها في أذنيكِ أيتها الغالية .. هل تأملتي في أوصاف الحور العين و ما ذكر من حسنهن و جمالهن أقول: فأنتي أفضل من ذلك في الجنة فضلتي على الحور العين بالصلاة و القيام فكل صفة للحوراء أنتي أولاء بها فأعملي مع العاملين .. قال عطاء السلمي لمالك أبن دينار : يا أبا يحي شوقنا قال يا عطاء : إن في الجنة حوراء يتباه أهل الجنة بحسنها لولا أن الله كتب على أهل الجنة أن لا يموتوا لماتوا من حسنها و جمالها فلم يزل عطاء كمد حزين من قول مالك , عن يزيد الرقاش قال : بلغني أن نورا سطع في الجنة لم يبقى موضع في الجنة إلا دخل من ذلك النور فيه فقيلا : ما هذا ؟ قيل : حوراء ضحكت في زوجها قال صالح المري : فشهق رجلا من ناحية المسجد فلم يزل يشهق حتى مات في مكانه ..
و لقد روينا أن برقا ساطعا *** يبدو فيسأل عنه من في جنانٍ
فيقال هذا ضوء ثغرا ضاحكا *** في الجنة العليا كما ترياني
فما ظنك بامرأة إذا ضحكت في وجه زوجها أضاءت من ضحكها ؟!.. و إذا انتقلت من قصرا إلى قصر قلت : هذه الشمس متنقلة في بروجها ؟!.. و إذا حاضرت زوجها فيحسن تلك المحاضرة .. و إن خاصرته فيا لذة تلك المعانقة المخاصرة ..
و حديثها السحر الحلال لو أنه *** لم يجني قتل المؤمن المتحيزا
إن طال لم يملل و إن هي حدثت *** ود المحدث أنها لم توخزا
و إن غنت فيا لذة الأبصار و الأسماع .. و إن أنست و أمتعت فيا حبذا تلك المؤانسة و الإمتاع .. و إن قبلت فلا شيئا أشهى من ذلك التقبيل .. هذا و إن سألت عن يوم المجيء .. و زيارة العزيز الحميد .. و رأيت وجهه المنزه عن التمثيل و التشبيه ..كما تُرى الشمس في الظهيرة .. و القمر ليلة البدر ..فذلك موجود في الصحاح و السنن و المسانيد من رواية جرير, و صهيب, و أنس, و أبي هريرة, و أبي موسى, و أبي سعيد, فأستمع يوما ينادي المنادي : يا أهل الجنة إن ربكم تعالى يستزيركم فحيا على زيارته فيقولون : سمعا و طاعة و ينهضون إلى الزيارة مبادرين فإذا بالنجاب قد أعدت لهم فيستوون على ظهورها مسرعين حتى إذا أتوا إلى الوادي الافيح الذي جعل لهم موعدا و جمعوا هناك فلم يغادر الداعي منهم أحدا أمر الرب تبارك و تعالى بكرسيه فنصب هناك ثم نصبت لهم منابر من نور , و منابر من لؤلؤ , و منابر من زبرجد , و منابر من ذهب , و منابر من فضة و جلس أدناهم - و حاشاهم أن يكون فيهم دني - جلس أدناهم على كثبان المسك ما يرون أن أصحاب الكراسي فوقهم في العطايا, حتى إذا أستقرت بهم مجالسهم , و أطمئنت بهم أماكنهم , ناد المنادي : يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون : ما هو ؟ ألم يبيض وجوهنا , و يثقل موازيننا , و يدخلنا الجنة , و يزحزحنا عن النار , فبينما هم كذلك إذ سطع لهم نور , أشرقت لهم الجنة , فإذا الجبار جلا جلاله , و تقدست أسمائه , قد أشرق عليهم من فوقهم ,و قال : يا أهل الجنة سلام عليكم فلا ترد هذه التحية بأحسن من قولهم :
اللهم أنت السلام و منك السلام تباركت يا ذا الجلال و الإكرام فيتجلى لهم الرب تبارك و تعالى يضحك إليهم , و يقول: يا أهل الجنة و يكون أول ما يسمعون منه تعالى : أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب و لم يروني ؟ هذا يوم المزيد سلوني فهذا يوم المزيد ..فيجتمعون على كلمة واحدة : أن قد رضينا فأرضا عنا فيقول : لو لم أرضا عنكم لم أسكنكم جنتي , سلوني فهذا يوم المزيد ..فيجتمعون على كلمة واحدة : أن ربنا أرنا وجهك ننظر إليه , فيكشف لهم الرب جلا جلاله الحجب و يتجلى لهم فيغشاهم من نوره ما لم أنه تعالى قد قضى أن لا يحترقوا لحترقوا فلا يبقى في ذلك المجلس أحدا إلا حاضرة الله تعالى محاضرة و ناظره مناظرة ,حتى أنه يقول له : يا فلان أتذكر يوما فعلن كذا و كذا – يذكره ببعض غدراته في الدنيا – فيقول : يا ربي ألم تغفر لي ؟ فيقول : لو لم أغفر لك لما بلغت منزلتكِ هذه , فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة .. و يا لذة الأنظار بتلك المناظرة .. و يا قرة عيون الأبرار في الدار الآخرة .. و يا ذله الراجعين بالصفقة الخاسرة .. قال سبحانه : { وجوه يومئذ ناظرة * إلى ربها ناظرة } .
قال يزيد الرقاش لحبيب العجمي : ما أعلم شيئا من نعيم الجنة و سرورها ألذ عند العابدين و لا أقر لعيونهم من النظر إلى ذي الكبرياء العظيم , إذا رفعت الحجب و تجلى لهم الكريم , فصاح حبيبا عند ذلك و خر مغشيا عليه.. أقول لمثل هذا فليعمل العاملون ..
اللهم لا تحرمنا لذة النظر إلى وجهك .. و الشوق إلى لقاءك .. في غير ضراء مضرة .. و لا فتنة مضلة .. اللهم زينا بزينة الإيمان .. و اجعلنا هداة مهتدين يا رب العالمين .. أسمع و قل و في ذلك فليتنافس المتنافسون ..
أخرجا مسلم روى أبو سعيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم , كما تتراءون الكوكب الدري في السماء , قالوا : يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال : بلى و الذي نفسي بيده رجالا أمنوا بالله و صدقوا المرسلين قال الله : { لكن الذين أتقو ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد } اللهم إنا نسألك الجنة و ما قرب إليها من قول أو عمل .
عن عبد الله ابن سلام رضي الله عنه قال : أول ما قد رسول صلى الله عليه و سلم إلى المدينة أنجفل الناس إليه و كنت فيمن جاه فتأملت وجهه و عرفت إن وجهه ليس بوجه كذاب قال : فكان أول ما سمعت من كلامه أن قال : يا أيها الناس أفشوا السلام , و أطعموا الطعام , و صلوا الأرحام , و صلوا بالليل و الناس نيام , تدخلوا الجنة بسلام) و عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قلت : (يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة و يباعدني عن النار فقال صلى الله عليه و سلم : لقد سألتني عن عظيم , و إنه ليسير على من يسره الله عليه , - الطريق أسمع – تعبد الله و لا تشرك به شيئا , و تقيم الصلاة المكتوبة , و تؤتي الزكاة المفروضة , و تصوم رمضان , و تحج البيت , ثم قال صلى الله عليه و سلم : إلا أدلك على أبواب الخير , الصوم جنة , و الصدقة تطفأ الخطيئة كما تطفأ الماء النار , و صلاة الرجل في جوف الليل ثم قرأ : { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا و طمعا و مما رزقناهم ينفقون } ألا أخبرك برأس الأمر و عموده و سنامه , رأس الأمر الإسلام من أسلم سلم , و عموده الصلاة , و ذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ,ألا أخبرك بملاك ذلك كله- كفى عليك هذا و أشار إلى لسانه –
_ اسمع و أسمعي _ كفى عليك هذا , قال : يا نبي الله و إنا لمواخذون بما نتكلم به قال : ثكلتك أمك يا معاذ , و هل يكب الناس على وجوههم إلا حصاد ألسنتهم ) حديث صحيح .
هذا هو الطريق .. لكن في الطريق عقبات .. نعم عقبات .. فتن و شهوات لان الجنة حفت بالمكارة , و حفت النار بالشهوات قال الله : { زين للناس حب الشهوات من النساء و البنين و القناطير المقنطرة من الذهب و الفضة و الخيل المسومة والأنعام و الحرث ذلك متاع الحياة الدنيا و الله عنده حسن المآب } هل يتجاوزونها ؟؟ نعم يتجاوزونها إذا عرفوا ثمن الثبات قال الله : { قل أئباكم خير من ذلكم للذين أتقو عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و أزواج مطهره و رضوان من الله و الله بصير بالعباد } من هم أصحاب هذه المنازل و أصحاب هذه الدرجات ؟؟ الذين يقولون { ربنا إننا أمنا فأغفر لنا ذنوبنا و قنا عذاب النار } صفاتهم .. الصابرين بقلوبهم .. و الصادقين بأرواحهم .. و القانتين بنفوسهم .. و المنفقين بأموالهم .. و المستغفرين بألسنتهم ..اللهم اجعلنا منهم و معهم ..
أسمع الطريق : ( إن الصدق يهدي إلى البر إن البر يهدي إلى الجنة و لا يزال الرجل يصدق و يتحرأ الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ) ..
إليك و إلا لا تشد الركاب *** و منك و إلا فلمؤمل خابٌ
و فيك و إلا فالغرام مضيعا *** و عنك و إلا فلمحدث كاذبٌ
أعلم أنه إذا عرف الثمن هانت العقبات .. أخرج البخاري و مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أن الله يقول : لأهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون : لبيك ربنا و سعديك فيقول لهم : هل رضيتهم ؟ فيقولون و ما لنا لا نرضى ؟! و قد أعطينتا ما لم تعطي أحدا من خلقك فيقول : أنا أعطيكم أفضل من ذلك قالوا : يا ربنا فأي شيئا أفضل من ذلك ؟! أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا ..
هنيئا لمن أضحى و أنت حبيبه *** و لو أن لوعات الغرام تذيبه
أيها المشتاق للقاء في جنات النعيم .. ليكن بيت الخلوة , و طعامك الجوع , و حديثك المناجاة فإما أن تموت بداك , و إما أن تصل إلى دواءك ..
لئن لم نلتقي في الأرض يوما *** و فرق بيننا كأس المنونٍ
فموعدنا غدا في دار خلدٍ *** بها يحيا الحنون مع الحنونٍ
يا من أحل الصادقين دار الكرامة .. و أورث البطالين منازل الندامة .. اجعلني و من حضر من أفضل أوليائك زلفى .. و أعظمهم منزلة و قربتة تفضلا منك علي , و على أخواني و أخواتي ..يوما تجزي الصادقين بصدقهم .. يا أكرم من رجي .. و يا أحق من دعي .. و يا خير من أتقي .. أمنن علينا بغفرانك .. و عاملنا بفضلك و إحسانك .. و هب لنا نورا من أنوارك .. و ذكرا من أذكارك .. و لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين و لا أقل من ذلك .. أجعل لنا لسان صدق في الآخرين .. و اجعلنا من ورثة جنة النعيم .. و نجنا من عذابك و نيرانك .. و أغفر لنا و لوالدينا و لجميع المسلمين الأحياء منهم و الميتين .. و الحاضرين منهم و الغائبين .. اللهم أجعل ملتقنا بعد تفرقنا في دنيانا في جناتك ..أجعل خير عمرنا أخره .. و خير عملنا خواتيمه .. و خير أيامنا يوم نلقاك .. اللهم أجمع شملنا و وحد صفنا .. و أصلح ولاة أمورنا .. و أغفر لنا و ارحمنا .. و انصرنا يا قوي يا عزيز على القوم الكافرين .. أستغفر الله العظيم .. و صلى الله على محمد و صحبه أجمعين ..
سبحان ربك رب العزة عما يصفون , و سلام على المرسلين , و الحمد لله رب العالمين .
من شريط الملتقى الجنة
الشيخ خالد الراشد
قال صلى الله عليه و سلم : ( لو أن امرأة من نساء الجنة أطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما , و لملئت ما بينهم ريحا , و لنصيف على رأسها خيرا من الدنيا و ما فيها ) الله أكبر .. إذا كان النصيف خير من الدنيا و ما فيها .. فما بلك بربة النصيف ؟!! و صاحبة الخباء .. أخرج مسلم عن أبي هريرة قال : ( إن في الجنة حورا يقال لها العيناء إذا مشت مشا حولها سبعون ألف وصيف عن يمينها و عن يسارها كذلك تنادي و تقول : أين الآمرون بالمعروف و الناهون عن المنكر ؟ ) فابشروا يا رجال الحسبة .. و أبشر يا من تغار على هذا الدين .. و هذه همسة أهمسها في أذنيكِ أيتها الغالية .. هل تأملتي في أوصاف الحور العين و ما ذكر من حسنهن و جمالهن أقول: فأنتي أفضل من ذلك في الجنة فضلتي على الحور العين بالصلاة و القيام فكل صفة للحوراء أنتي أولاء بها فأعملي مع العاملين .. قال عطاء السلمي لمالك أبن دينار : يا أبا يحي شوقنا قال يا عطاء : إن في الجنة حوراء يتباه أهل الجنة بحسنها لولا أن الله كتب على أهل الجنة أن لا يموتوا لماتوا من حسنها و جمالها فلم يزل عطاء كمد حزين من قول مالك , عن يزيد الرقاش قال : بلغني أن نورا سطع في الجنة لم يبقى موضع في الجنة إلا دخل من ذلك النور فيه فقيلا : ما هذا ؟ قيل : حوراء ضحكت في زوجها قال صالح المري : فشهق رجلا من ناحية المسجد فلم يزل يشهق حتى مات في مكانه ..
و لقد روينا أن برقا ساطعا *** يبدو فيسأل عنه من في جنانٍ
فيقال هذا ضوء ثغرا ضاحكا *** في الجنة العليا كما ترياني
فما ظنك بامرأة إذا ضحكت في وجه زوجها أضاءت من ضحكها ؟!.. و إذا انتقلت من قصرا إلى قصر قلت : هذه الشمس متنقلة في بروجها ؟!.. و إذا حاضرت زوجها فيحسن تلك المحاضرة .. و إن خاصرته فيا لذة تلك المعانقة المخاصرة ..
و حديثها السحر الحلال لو أنه *** لم يجني قتل المؤمن المتحيزا
إن طال لم يملل و إن هي حدثت *** ود المحدث أنها لم توخزا
و إن غنت فيا لذة الأبصار و الأسماع .. و إن أنست و أمتعت فيا حبذا تلك المؤانسة و الإمتاع .. و إن قبلت فلا شيئا أشهى من ذلك التقبيل .. هذا و إن سألت عن يوم المجيء .. و زيارة العزيز الحميد .. و رأيت وجهه المنزه عن التمثيل و التشبيه ..كما تُرى الشمس في الظهيرة .. و القمر ليلة البدر ..فذلك موجود في الصحاح و السنن و المسانيد من رواية جرير, و صهيب, و أنس, و أبي هريرة, و أبي موسى, و أبي سعيد, فأستمع يوما ينادي المنادي : يا أهل الجنة إن ربكم تعالى يستزيركم فحيا على زيارته فيقولون : سمعا و طاعة و ينهضون إلى الزيارة مبادرين فإذا بالنجاب قد أعدت لهم فيستوون على ظهورها مسرعين حتى إذا أتوا إلى الوادي الافيح الذي جعل لهم موعدا و جمعوا هناك فلم يغادر الداعي منهم أحدا أمر الرب تبارك و تعالى بكرسيه فنصب هناك ثم نصبت لهم منابر من نور , و منابر من لؤلؤ , و منابر من زبرجد , و منابر من ذهب , و منابر من فضة و جلس أدناهم - و حاشاهم أن يكون فيهم دني - جلس أدناهم على كثبان المسك ما يرون أن أصحاب الكراسي فوقهم في العطايا, حتى إذا أستقرت بهم مجالسهم , و أطمئنت بهم أماكنهم , ناد المنادي : يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون : ما هو ؟ ألم يبيض وجوهنا , و يثقل موازيننا , و يدخلنا الجنة , و يزحزحنا عن النار , فبينما هم كذلك إذ سطع لهم نور , أشرقت لهم الجنة , فإذا الجبار جلا جلاله , و تقدست أسمائه , قد أشرق عليهم من فوقهم ,و قال : يا أهل الجنة سلام عليكم فلا ترد هذه التحية بأحسن من قولهم :
اللهم أنت السلام و منك السلام تباركت يا ذا الجلال و الإكرام فيتجلى لهم الرب تبارك و تعالى يضحك إليهم , و يقول: يا أهل الجنة و يكون أول ما يسمعون منه تعالى : أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب و لم يروني ؟ هذا يوم المزيد سلوني فهذا يوم المزيد ..فيجتمعون على كلمة واحدة : أن قد رضينا فأرضا عنا فيقول : لو لم أرضا عنكم لم أسكنكم جنتي , سلوني فهذا يوم المزيد ..فيجتمعون على كلمة واحدة : أن ربنا أرنا وجهك ننظر إليه , فيكشف لهم الرب جلا جلاله الحجب و يتجلى لهم فيغشاهم من نوره ما لم أنه تعالى قد قضى أن لا يحترقوا لحترقوا فلا يبقى في ذلك المجلس أحدا إلا حاضرة الله تعالى محاضرة و ناظره مناظرة ,حتى أنه يقول له : يا فلان أتذكر يوما فعلن كذا و كذا – يذكره ببعض غدراته في الدنيا – فيقول : يا ربي ألم تغفر لي ؟ فيقول : لو لم أغفر لك لما بلغت منزلتكِ هذه , فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة .. و يا لذة الأنظار بتلك المناظرة .. و يا قرة عيون الأبرار في الدار الآخرة .. و يا ذله الراجعين بالصفقة الخاسرة .. قال سبحانه : { وجوه يومئذ ناظرة * إلى ربها ناظرة } .
قال يزيد الرقاش لحبيب العجمي : ما أعلم شيئا من نعيم الجنة و سرورها ألذ عند العابدين و لا أقر لعيونهم من النظر إلى ذي الكبرياء العظيم , إذا رفعت الحجب و تجلى لهم الكريم , فصاح حبيبا عند ذلك و خر مغشيا عليه.. أقول لمثل هذا فليعمل العاملون ..
اللهم لا تحرمنا لذة النظر إلى وجهك .. و الشوق إلى لقاءك .. في غير ضراء مضرة .. و لا فتنة مضلة .. اللهم زينا بزينة الإيمان .. و اجعلنا هداة مهتدين يا رب العالمين .. أسمع و قل و في ذلك فليتنافس المتنافسون ..
أخرجا مسلم روى أبو سعيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم , كما تتراءون الكوكب الدري في السماء , قالوا : يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال : بلى و الذي نفسي بيده رجالا أمنوا بالله و صدقوا المرسلين قال الله : { لكن الذين أتقو ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد } اللهم إنا نسألك الجنة و ما قرب إليها من قول أو عمل .
عن عبد الله ابن سلام رضي الله عنه قال : أول ما قد رسول صلى الله عليه و سلم إلى المدينة أنجفل الناس إليه و كنت فيمن جاه فتأملت وجهه و عرفت إن وجهه ليس بوجه كذاب قال : فكان أول ما سمعت من كلامه أن قال : يا أيها الناس أفشوا السلام , و أطعموا الطعام , و صلوا الأرحام , و صلوا بالليل و الناس نيام , تدخلوا الجنة بسلام) و عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قلت : (يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة و يباعدني عن النار فقال صلى الله عليه و سلم : لقد سألتني عن عظيم , و إنه ليسير على من يسره الله عليه , - الطريق أسمع – تعبد الله و لا تشرك به شيئا , و تقيم الصلاة المكتوبة , و تؤتي الزكاة المفروضة , و تصوم رمضان , و تحج البيت , ثم قال صلى الله عليه و سلم : إلا أدلك على أبواب الخير , الصوم جنة , و الصدقة تطفأ الخطيئة كما تطفأ الماء النار , و صلاة الرجل في جوف الليل ثم قرأ : { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا و طمعا و مما رزقناهم ينفقون } ألا أخبرك برأس الأمر و عموده و سنامه , رأس الأمر الإسلام من أسلم سلم , و عموده الصلاة , و ذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ,ألا أخبرك بملاك ذلك كله- كفى عليك هذا و أشار إلى لسانه –
_ اسمع و أسمعي _ كفى عليك هذا , قال : يا نبي الله و إنا لمواخذون بما نتكلم به قال : ثكلتك أمك يا معاذ , و هل يكب الناس على وجوههم إلا حصاد ألسنتهم ) حديث صحيح .
هذا هو الطريق .. لكن في الطريق عقبات .. نعم عقبات .. فتن و شهوات لان الجنة حفت بالمكارة , و حفت النار بالشهوات قال الله : { زين للناس حب الشهوات من النساء و البنين و القناطير المقنطرة من الذهب و الفضة و الخيل المسومة والأنعام و الحرث ذلك متاع الحياة الدنيا و الله عنده حسن المآب } هل يتجاوزونها ؟؟ نعم يتجاوزونها إذا عرفوا ثمن الثبات قال الله : { قل أئباكم خير من ذلكم للذين أتقو عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و أزواج مطهره و رضوان من الله و الله بصير بالعباد } من هم أصحاب هذه المنازل و أصحاب هذه الدرجات ؟؟ الذين يقولون { ربنا إننا أمنا فأغفر لنا ذنوبنا و قنا عذاب النار } صفاتهم .. الصابرين بقلوبهم .. و الصادقين بأرواحهم .. و القانتين بنفوسهم .. و المنفقين بأموالهم .. و المستغفرين بألسنتهم ..اللهم اجعلنا منهم و معهم ..
أسمع الطريق : ( إن الصدق يهدي إلى البر إن البر يهدي إلى الجنة و لا يزال الرجل يصدق و يتحرأ الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ) ..
إليك و إلا لا تشد الركاب *** و منك و إلا فلمؤمل خابٌ
و فيك و إلا فالغرام مضيعا *** و عنك و إلا فلمحدث كاذبٌ
أعلم أنه إذا عرف الثمن هانت العقبات .. أخرج البخاري و مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أن الله يقول : لأهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون : لبيك ربنا و سعديك فيقول لهم : هل رضيتهم ؟ فيقولون و ما لنا لا نرضى ؟! و قد أعطينتا ما لم تعطي أحدا من خلقك فيقول : أنا أعطيكم أفضل من ذلك قالوا : يا ربنا فأي شيئا أفضل من ذلك ؟! أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا ..
هنيئا لمن أضحى و أنت حبيبه *** و لو أن لوعات الغرام تذيبه
أيها المشتاق للقاء في جنات النعيم .. ليكن بيت الخلوة , و طعامك الجوع , و حديثك المناجاة فإما أن تموت بداك , و إما أن تصل إلى دواءك ..
لئن لم نلتقي في الأرض يوما *** و فرق بيننا كأس المنونٍ
فموعدنا غدا في دار خلدٍ *** بها يحيا الحنون مع الحنونٍ
يا من أحل الصادقين دار الكرامة .. و أورث البطالين منازل الندامة .. اجعلني و من حضر من أفضل أوليائك زلفى .. و أعظمهم منزلة و قربتة تفضلا منك علي , و على أخواني و أخواتي ..يوما تجزي الصادقين بصدقهم .. يا أكرم من رجي .. و يا أحق من دعي .. و يا خير من أتقي .. أمنن علينا بغفرانك .. و عاملنا بفضلك و إحسانك .. و هب لنا نورا من أنوارك .. و ذكرا من أذكارك .. و لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين و لا أقل من ذلك .. أجعل لنا لسان صدق في الآخرين .. و اجعلنا من ورثة جنة النعيم .. و نجنا من عذابك و نيرانك .. و أغفر لنا و لوالدينا و لجميع المسلمين الأحياء منهم و الميتين .. و الحاضرين منهم و الغائبين .. اللهم أجعل ملتقنا بعد تفرقنا في دنيانا في جناتك ..أجعل خير عمرنا أخره .. و خير عملنا خواتيمه .. و خير أيامنا يوم نلقاك .. اللهم أجمع شملنا و وحد صفنا .. و أصلح ولاة أمورنا .. و أغفر لنا و ارحمنا .. و انصرنا يا قوي يا عزيز على القوم الكافرين .. أستغفر الله العظيم .. و صلى الله على محمد و صحبه أجمعين ..
سبحان ربك رب العزة عما يصفون , و سلام على المرسلين , و الحمد لله رب العالمين .
من شريط الملتقى الجنة
الشيخ خالد الراشد